|
🔴 النيرفانا في البوذيَّة والتصوُّف
النيرفانا في الفلسفة البوذيَّة
تقوم الفلسفة البوذيَّة على مبدأ تخلُّص الإنسان من معاناته التي تقوم على رغبتين:
- الرغبة في الحصول على ما لا نملك.
- والرغبة في عدم خسارة ما نملك.
وإذا تأمَّلنا هاتين الرغبتين، وجدناهما مُنْدَكَّيْنِ في أمر واحد؛ ألا وهو الوصول إلى (الكمال)، مع لحاظ أنَّ لكلٍّ كمالَه بحسب نيَّتِه وهمِّه؛ كما قال تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ علىٰ شَاكِلَتِهِ (٨٤)} [الإسراء].
و(الكمال) أو فلنقل (المثاليَّة)، وكما يذكر المفكر الهندي (آشو)، هو أمر بحد ذاته مؤلم، ويسبِّب معاناة متتالية ومتواصلة للإنسان الساعي إلى الكمال من جهة، وللمحيطين به من جهة أخرى.
عَوْدًا على الفلسفة البوذيَّة، وبناء على ما تقدَّم، فإنَّه لا سبيل للتخلُّص من هذه الآلام إلا بـ(الرضا) و(القناعة) اللَّذينِ من شأنهما أن يوصلا الإنسان إلى حالة السعادة المطلقة (النيرفانا)، وهي: حالة الخلوِّ من المعاناة عن طريق التأمُّل الذي يوصل الإنسان إلىٰ الانطفاء الكامل؛ بحيث يصبح منفصلا تماما بذهنه وجسده عن العالم الخارجيِّ؛ وذلك من أجل تحقيق النشوة والسعادة القصوى والقناعة وقتل الشهوات؛ ليبتعد الإنسان بهذه الحالة عن كلِّ المشاعر السلبيَّة؛ من الاكتئاب والحزن والقلق وغيرها.
النيرفانا في التصوُّف الإسلاميِّ
في التصوُّف الإسلاميِّ، تقابل (النيرفانا) حالة روحيَّة تتكوَّن من مرحلتين متكاملتين: (الفناء والأُنس).
أمَّا الفناء: فهو زوال صفات العبد في صفات الحقِّ، أو بعبارةٍ أدقَّ: عبورٌ من الكثرة إلى الوحدة، حيث يتلاشى إدراك الذات المنفصلة أمام شهود الحقيقة الإلهيَّة الواحدة، فينطفئ في العارف كلُّ ما سوى اللّٰه.
وأمَّا الأُنس: فهو ما يعقب الفناء من سكينة وطمأنينة بالمحبوب؛ إذ يستقرُّ القلب بعد انطفاء (الأنا) في حضور اللّٰه ومحبَّته، فيأنس به بعد أن كان مستوحشا من الخلق.
وعليه، فالنيرفانا في معناها الصوفيِّ ليست فناء في العدم، بل فناء في النور؛ إذ لا يزول الوجود، بل يتحوَّل من تعدُّده الموهوم إلى وحدته الحقَّة. وإذا كانت (النيرفانا) البوذيَّة انطفاء نار الرغبة والمعاناة، فإنَّها في التصوّف الإسلاميِّ انطفاءُ (الأنا) في سكينة الحضور الإلهي.
➖➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين علي الحسيني
واتساب: 009613804079
|