🔴 أبو ذرٍّ الغفاريُّ
هو (جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ الغِفَارِيُّ)، وكان له ولد اسمه (ذَرٌّ)، وبه كُنِّي بِـ(أبي ذرٍّ).
ويُعدُّ مِنْ كبار أصحاب رسول اللّٰه (صلَّى اللّٰه عليه وآله وصحبه)، وحَوَارِيِّي أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليهما السَّلام)، وقد عُرِفَ بثباته على الحقِّ وصَدْعِه به، وولائه لأهل البيت (عليهم السَّلام).
ويذكر ابن حَجَر: أنَّه كان طويلًا أسمر اللون نحيفًا.
قصَّة إسلامه
كان يسكن في منطقة تُعرف بـ(وادي غِفَار) تقع بين مكة والمدينة، قريبة من طريق القوافل التجاريَّة. وكان مِنَ الموحِّدين للّٰهِ نابذًا عبادة الأوثان قبل ظهور الإسلام.
ويروي ابن عبَّاس (رضوان اللّٰه عليه) أنَّه: "لمَّا بلغ أبا ذرٍّ مبعث رسول اللّٰه بمكَّة، قال لأخيه (أنيس): اِركب إلى هذا الوادي، وَاعْلَمْ لي عِلْمَ هذا الرجل الذي يزعم أنَّه يأتيه الخبرُ مِنَ السماء، وَاسْمَعْ مِنْ قوله، ثمَّ ائتني.
فانطلق الأخ حتى قدم مكَّة، وسمع مِنْ قوله، ثمَّ رجع إلى أبي ذرٍّ، فتزوَّد، وحمل شَنَّةً - أي قِرْبَة - له فيها ماء حتى قدم مكَّة، فأتى المسجد، فالتمس النبيَّ وهو لا يعرف، وكره أنْ يسأل عنه حتى أدركه الليل، فاضطجع، فرآه الإمام عليٌّ فقال: كأنَّ الرجل غريب؟ قال: نعم. قال: اِنطلقْ إلى المنزل.
وتكرَّرت هذه الدعوة ثلاث ليال، وفي اليوم الثالث قال له الإمام عليٌّ: ألا تحدِّثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إنْ أعطيتني عهدًا وميثاقًا لترشدني فعلتُ، فَفَعَلَ، فأخبره الإمام عليٌّ عَنْ رسول اللّٰه أنَّه نبيٌّ، وأنَّ ما جاء به حقٌّ، وأنَّه رسول اللّٰه. ثمَّ انطلقا إلى رسول اللّٰه، ودخلا عليه معًا، فحيَّى رسولَ اللّٰه بتحيَّة الإسلام قائلًا: السلام عليك يا رسول اللّٰه، فقال النبيُّ: وعليك السلام، مَنْ أنت؟ فقال: رَجُلٌ مِنْ (بني غِفَار)، فعرض عليه الإسلامَ، فأسلمَ، وشهد أنْ: (لا إِلَهَ إلَّا اللّٰهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللّٰهِ). ثمَّ أوصاه النبيُّ بأنْ يرجع إلى أهله وعشيرته فيدعوهم إلى الإسلام.
رَجَعَ أبو ذرٍّ إلى قومه، فنفَّذ وصيَّة رسول اللّٰه، فدعاهم إلى عبادةِ اللّٰهِ الواحدِ، ونَبْذِ عبادةِ الأوثانِ، والإيمانِ برسالةِ محمَّدٍ (صلَّى اللّٰه عليه وآله وصحبه)، فكان أوَّلَ مَنْ أسلم منهم أخوه (أنيس)، ثمَّ أسلمتْ أمُّهما، ثمَّ أسلم بعد ذلك نصفُ قبيلة (غِفَار)، وقال نصفُهم الباقي: إذا قدم رسول اللّٰه المدينة، أَسْلَمْنَا".
موقفه من المال والسلطة
اشتهر أبو ذرٍّ بزهده ورفضه لأيِّ شكل مِنْ أشكال الترف والظلم الاجتماعيِّ، حتى أنكر على عثمان بن عفَّان تفضيلَه أقرباءَه مِنْ بني أميَّة، وتَمْلِيكَهُمُ الأموالَ دون سائر المسلمين، خصوصًا معاويةَ بن أبي سفيان، فنفاه إلى (الرَّبَذَةَ)، وهي تقع في جنوبيِّ شرقيِّ (المدينة المنوَّرة)، وتبعد عنها حوالى ٢٠٠ كلم على حافَّة جبال الحجاز الغربيَّة.
ولاؤه لأمير المؤمنين
كان أبو ذرٍّ مِنْ أبرز المدافعين عَنْ حقِّ الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) في الخلافة، وأعلن ولاءه له صُراحًا جِهارًا، فكان مِنَ القلائل الذين ثبتوا بعد وفاة النبيِّ على ولاية أهل البيت (عليهم السَّلام).
أبو ذرٍّ وتشيُّع جبل عامل
يبدو أنَّه كان لأبي ذرٍّ نَفْيَيْنِ:
- أمَّا الأوَّل: فهو نَفْيُ معاوية له إلى (جبل عامل) بعد قُدُومِهِ إلى دمشق، حيث تأثَّر أهله بخطابه المناوئ لفساد السلطة الحاكمة، فكانوا بذرة للتشيُّع في تلك البلاد.
- وأمَّا الثاني: فهو نَفْيُ ابن عفَّان له إلى (الرَّبَذَةِ) بعد عودته إلى (المدينة المنوَّرة).
وفاته
تُوفِّي أبو ذرٍّ لخمسٍ مَضَيْنَ مِنْ ذي الحجَّة سنة ٣٢هـ في (الرَّبَذَةَ)، وَدُفِنَ فيها؛ وهو المكان الذي نفاه إليه ابن عفَّان بسبب معارضته لحكمه وسوء إدارته. وقد توفِّي فيها غريبًا مظلومًا كما أنبأه النبيُّ؛ فذكر ابن كثير في (البداية):
"إنَّ أبا ذرٍّ (رضي اللّٰه عنه) تأخَّر في الركب في غزوة (تَبُوك) بسبب ضعف جَمَلِه، فلمَّا أبطأ عليه، أخذ متاعه، فجعله على ظهره، ومشى حتى لحق بالركب، فقال النبيُّ: "رَحِمَ اللّٰهُ أَبَا ذَرٍّ؛ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وُيُبْعَثُ وَحْدَهُ".
وقد قام بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه الصحابيُّ الجليل عبد اللّٰه بن مسعود (رضوان اللّٰه عليه) وجماعة قليلة معه كانوا في طريقهم مِنَ المدينة إلى الكوفة.
وروي: "أنَّ زوجته أمَّ ذرٍّ كانت تبكي عندما حضرته الوفاة، فقال: ما يُبكيكِ؟! فقالت: ما لي لا أبكي وأنتَ تموت بفلاة مِنَ الأرض، وليس عندي ثوبٌ يَسَعُكَ كفنًا لي ولا لك، ولا بدَّ لي مِنَ القيام بجهازك! قال: فأبشري، ولا تبكي، فإنِّي سمعتُ رسول اللّٰه (صلَّى اللّٰه عليه وآله وسلَّم) يقول لنفرٍ أنا فيهم: "لَيَمُوتُنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ"، وليس مِنْ أولئك النفر أحد إلَّا وقد مات في قرية وجماعة، ولم يبقَ غيري، وقد أصبحتُ بالفلاة أموت؛ فأنا ذلك الرجل، فواللّٰهِ ما كَذَبْتُ ولا كُذِّبْتُ".
كلام النبيِّ وأهل البيت فيه
- قال فيه رسول اللّٰه: "مَا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ، وَلَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ".
- سُئِلَ الإمام عليٌّ عَنْ أبي ذرٍّ، فقال: "ذَلِكَ رَجُلٌ وَعَى عِلْمًا عَجِزَ عَنْهُ النَّاسُ، ثُمَّ أَوْكَأَ عَلَيْهِ [أي تكتَّم عليه وأغلق عليه بإحكام]، وَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا مِنْهُ". وفي رواية عنه (عليه السَّلام)، قال: "قَالَ النَّبِيُّ (صلَّى اللّٰه عليه وآله وسلَّم): الجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَيْكَ - يعني عليًّا - وَإِلَى عَمَّارٍ وَإِلَى سَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَالمِقْدَادِ".
- قال الإمام الصادق (عليه السَّلام): "رَحِمَ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ، فَلَقَدْ غَضِبَ لِلّٰهِ، فَغَضِبَ لَهُ النَّاسُ، وَرَضِيَ عَنِ اللَّهِ، فَرَضِيَ عَنْهُ النَّاسُ، فَمَا كَانَ فِي الأُمَّةِ أَصْدَقُ لَهْجَةً مِنْهُ".
من أقواله
رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنَّهُ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا لَنَا نَكْرَهُ المَوْتَ؟!
فَقَالَ: لِأَنَّكُمْ عَمَرْتُمُ الدُّنْيَا وَأَخْرَبْتُمُ الآخِرَةَ، فَتَكْرَهُونَ أَنْ تُنْقَلُوا مِنْ عُمْرَانٍ إِلَى خَرَابٍ.
فَقَالَ لَهُ: فَكَيْفَ تَرَى قُدُومَنَا عَلَى اللّٰهِ؟
فَقَالَ: أَمَّا المُحْسِنُ مِنْكُمْ فَكَالغَائِبِ يُقْدِمُ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَّا المُسِيءُ مِنْكُمْ فَكَالآبِقِ يُرَدُّ عَلَى مَوْلَاهُ.
قَالَ: فَكَيْفَ تَرَى حَالَنَا عِنْدَ اللّٰهِ؟
قَالَ: اُعْرُضُوا أَعْمَالَكُمْ عَلَى الكِتَابِ، إِنَّ اللّٰهَ يَقُولُ: {إِنَّ الأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}.
قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: فَأَيْنَ رَحْمَةُ اللّٰهِ؟
قَالَ: {رَحْمَةُ اللّٰهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ}".
➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين علي الحسيني
واتساب: 009613804079
|