﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 ليلة القدر 

القسم : محاضرات رمضانية   ||   التاريخ : 2011 / 01 / 29   ||   القرّاء : 16651

          بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وخاتم النبيين أبي القاسم ياسين، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجميعن إلى أن يشاء رب العالمين، وبعد..

          ذكرنا من قبل أن الله تعالى يملك كل الأزمان، إلا أنه خص شهر رمضان بنسبته إلى ذاته المقدسة لما فيه من خصائص جمة، فإن أيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات... وقلنا أن غايته سبحانه من نسبة شهر رمضان له، حث العباد على العبادة في الشهر الذي يحب، ليكونوا أقرب من طاعته، أبعد عن معصيته. ثم إنه تعالى أخبرنا أن ليالي شهر رمضان العظيمة، ليست متساوية من حيث الفضل، فإن في العشر الأواخر من شهر رمضان ليلة أفضل من كل شهر، بل أفضل من ألف شهر، يعني أفضل مما يزيد عن ثلاث وثمانين سنة؛ قال (عز وجل): >إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)< القدر.

          فما هي ليلة القدر؟ ورد عن الإمام الباقر أو الصادق (عليهما السلام): "تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا، فيكتبون ما يكون في أمر السنة، وما يصيب العباد، والأمر عنده موقوف، وفيه المشيئة، فيقدم ما يشاء، ويؤخر منه ما يشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب". إذًا ليلة القدر ليلة التدبير الإلهي للكون، المواليد، والوفيات، والأرزاق، والحروب، وولادة كواكب جديدة، ومن كتب له الحج، ومن كتبت له السعادة، ومن كتب له الشقاء، هي ليلة نزول دستور الله الخالد (القرآن الكريم)، بينما نزلت التوراة في السادس من شهر رمضان، ونزل الإنجيل في الثاني عشر منه، ونزل الزبور في الثامن عشر منه. ومن هنا سميت ليلة القدر؛ أي ليلة التقدير لكل ما ذكرنا.

          قال تعالى: >إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)< الدخان. فلو سألتني: لماذا نزل القرآن في هذه الليلة بالخصوص؟ لأجبتك: لما كانت هذه الليلة ليلة تقدير شؤون الحياة والكون، كان من الطبيعي أن يكون نزول دستور الحياة (القرآن الكريم) في هذه الليلة دون غيرها، وتأكيدا منه تعالى على تميز الإسلام ووراثته للشرائع السماوية، وهيمنته عليها، ونسخه لها.

          ولما كانت هذه الليلة بهذه الأهمية على صعيد حركة حياتنا ومصائرنا، كان على المتنبه العاقل أن يحييها بالعبادة بلا كسل ولا تثاقل، لعله ينال نظرة رحيمة من رب العزة، ترفع درجته، وتنور طريقه، وتهديه إلى سبل الخير، وتمحو عنه السيئات، وتغفر له الذنوب، وتغسل قلبه الذي امتلأ بالمعاصي السوداء على مدار السنة، فإنها الليلة السلام والرحمة الممتدة إلى الفجر؛ قال تعالى: >سلام هي حتى مطلع الفجر<.

          ولعل عدم تحديدها من قبل المعصومين (عليهم السلام) كما يتضح لنا من الروايات أن يجد الإنسان في العبادة في العشر الأواخر من شهر رمضان، بدل أن يقتصر على إحياء ليلة واحدة محددة، وذلك على قاعدة تدريب الإنسان على سهر الليالي في سبيل بنائه الروحي في علاقته مع الله تعالى، فإن الأعمال المستحبة في هذه الليلة ترمز إلى الأركان التي يقوم عليها الإيمان. بداية الغسل الذي يرمز إلى تطهير البدن من كل آثار المعصية العالقة على البدن. فالصلاة مائة ركعة تشديد على ركن الدين الأول، فالصلاة كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "عمود الدين، وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحت نظر في عمله، وإن لم تصح لم ينظر في بقية عمله". ثم الدعاء الذي فيه استحقاقنا النظرة الإلهية؛ قال تعالى: >قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ...(77)< الفرقان. والذكر الذي فيه خلاصنا ونجاتنا من بلاء الدنيا وعقوباتها؛ قال تعالى في حكايته عن يونس النبي (عليه السلام): >فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)< الصافات. وزيارة الإمام الحسين (عليه السلام)؛ فما فضله (عليه السلام)؟ يروي لنا الإمام الحسين أنه أتى مرة جدَّه رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وكان عنده أبي بن كعب، فقال لي جدي: مرحبا يا زين السماوات والأرض،  فقال أبي: وهل أحد سواك زين السماوات والأرض؟! فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أبي بن كعب والذي بعثني بالحق نبيا، إن الحسين بن علي في السماوات أعظم مما هو في الأرض، واسمه مكتوب عن يمين العرش: إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة".

يا عَلِيُّ يا عَظيمُ، يا غَفُورُ يا رَحيمُ، اَنْتَ الرَّبُّ الْعَظيمُ الَّذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ، وَهذا شَهْرٌ عَظَّمْتَهُ وَكَرَّمْتَهْ، وَشَرَّفْتَهُ وَفَضَّلْتَهُ عَلَى الشُّهُورِ، وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذي فَرَضْتَ صِيامَهُ عَلَيَّ، وَهُوَ شَهْرُ رَمَضانَ، الَّذي اَنْزَلْتَ فيهِ الْقُرْآنَ، هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّنات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانَ، وَجَعَلْتَ فيهِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَجَعَلْتَها خَيْراً مِنْ اَلْفِ شَهْر، فَيا ذَا الْمَنِّ وَلا يُمَنُّ عَلَيْكَ، مُنَّ عَلَيَّ بِفَكاكِ رَقَبَتي مِنَ النّارِ فيمَنْ تَمُنَّ عَلَيْهِ، وَاَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ.



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 مجهول المالك رد الظالم

 أحكام عاشوراء

 وضوء وغسل الجبيرة

 الغفّار

 الله قادر مختار

 غاية الخلق

 صيغة الزواج الدائم والمنقطع وأيام كراهتهما

 المد وفدية التأخير

 المبيت وتعدد الزوجات

 الأدلة القرآنية على إمامة علي (عليه السلام)

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net