﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 آراء الفقهاء في رؤية الهلال 

القسم : بحوث فقهية   ||   التاريخ : 2025 / 03 / 01   ||   القرّاء : 193

آراء الفقهاء في رؤية الهلال
1️⃣ #الحسابات_الفلكية
ذهب بعض الفقهاء كالسيد محمد حسين فضل الله (رحمه اللّٰه) إلى كفاية تحديد بداية الشهر القمري من خلال الحسابات الفلكية إذا أثبتت إمكانية رؤية الهلال؛ بدعوى أن موضوع حكم وجوب الصوم هو (العلم بثبوت الهلال) لا (رؤية الهلال)؛ لذلك صحَّ الاعتماد على الحسابات الفلكيَّة إذا أثبتت إمكانيَّة الرؤية دون الحاجة إلى الرؤية الفعليَّة. 

2️⃣ #الرؤية_بالعين_المسلحة
ذهب البعض الآخر من الفقهاء كالسيد علي الحسيني الخامنئي (حفظه اللّٰه) إلى عدم كفاية الحسابات الفلكيَّة؛ بدعوى أنَّ موضوع حكم وجوب الصوم هو (الرؤية العينيَّة الفعليَّة للهلال)، فعلى هذا قام الدليل، وبه نطق لسانه؛ ألا ترون أنَّ النبيَّ الكريم، قال: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ"، ولم يقل: (صوموا للعلم بإمكانيَّة رؤيته)؟! 
وعليه، كان لزامًا اعتماد الرؤية العينيَّة الفعليَّة لإثباته شرعًا، ولكن الرؤية الأعمَّ من كونها بالعين المجرَّدة من أيَّة أداة أم بواسطة التلسكوب؛ وذلك اعتمادا على إطلاق الأدلة من نظير الحديث النبوي: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا". فإنَّ قيد الرؤية لإثبات الهلال في هذا الحديث وأمثاله مطلق؛ أي غير مقيَّد بخصوص الرؤية بالعين المجرَّدة، لذلك تشمل الرؤية بالعين المسلَّحة (التلسكوب).

3️⃣ #الرؤية_بالعين_المجردة
أما أكثر الفقهاء كالسيد علي الحسيني السيستاني (حفظه اللّٰه)، فقد اشترطوا في تحديد الهلال أن يكون بالرؤية بالعين المجرَّدة عن أيَّة أداة، غير آخذين بالإطلاق اللفظيِّ لروايات الرؤية؛ وذلك لأدلَّة، منها:
- أوَّلًا: (موضوع الحكم هو الرؤية الفعليَّة المجرَّدة) 
انصراف روايات الرؤية إلى خصوص رؤية الهلال الفعليَّة المتاحة لعامَّة النَّاس، وهي الرؤية العينيَّة المجرَّدة، فهي موضوع حكم وجوب الصوم؛ أعني (الرؤية الفعليَّة للهلال بالعين المجرَّدة) لا (مطلق الرؤية) فضلا عن (العلم بإمكانيَّة الرؤية).
وبالتالي، فإنَّ خصوص الرؤية الفعليَّة المجرَّدة هي المُعَوَّل عليها والتي يدور الحكم مدارها ثبوتًا ونفيًا؛ لأنَّها موضوعه، وليس موضوعه مطلق الرؤية ليصحَّ اعتماد التلسكوب، ولا العلم بإمكانيَّة رؤيته ليصحَّ اعتماد الحسابات الفلكيَّة.
ومن هنا لم تكن الإشاحة عن التلسكوب والحسابات الفلكيَّة إهمالًا لتطوُّر علم الفلك أو العلم بشكل عامٍّ، أو استنكافًا عن الوسائل الحديثة كما يتوهَّم الكثيرون في هذه الأيام، بل العلمُ (المفيد لليقين) مُعْتَمَدٌ في كلِّ المسائل التي يكون موضوعها تحصيل العلم كيفما كان، لا التي تنصرف فيها الروايات إلى العُرْفيَّات؛ مثلا: تحديد النسب بالـ(DNA)، فهو معتمد في تحديد الأنساب بلا إشكال؛ لأنَّ موضوع إثباته هو العلم بالنَّسَبِيَّة. 
فإذا ثبت انصراف موضوع حكم وجوب الصوم إلى خصوص الرؤية العينيَّة الفعليَّة والمجرَّدة، يتعيَّن أن تكون هذه الرؤية بالذات هي الطريق الأوحد إلى ثبوت ظهور الهلال في الأفق (شرعًا)؛ بحيث يكون مرئيًّا فعلًا بالعين المجرَّدة لعامَّة النَّاس (لا الخاصَّة المتاح لهم الاستعانة بالتلسكوب). ألا ترون أنَّ اللّٰه تعالى قال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ... (١٨٩)} [البقرة]؛ فهذا بيان واضح على أنَّ (الأهلَّة) - وهي الهلال بمنازله حيث يخرج من مُحاقه ثم يزداد حتى يمتلئ نورًا لا أنَّه على منزلة واحدة كالشمس - هي المجعولة (شرعًا) من قِبَلِ الحقِّ (سبحانه) ميقاتًا (لكلِّ النَّاس) من الأزل إلى الأبد، لا ميقاتًا لزمن التلسكوب المتأخِّر عشرة قرون عن زمن النصِّ! فقد تم اختراع التلسكوب سنة ١٦٠٨م على يد الهولندي (هانس ليبرشي)، ولكن أول من استخدمه لأغراض فلكيَّة كان (غاليليو غاليلي) سنة ١٦٠٩م. 
واستئناسًا بقوله تعالى:  {... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ... (١٨٥)} [البقرة]، وبناءً على تفسير المشاهدة بالرؤية العينيَّة؛ كما ذهب مجاهد، وعكرمة مولى ابن عباس، والضحَّاك بن مزاحم، والحسن البصري، والسدي الكبير... فإنَّ دلالة الآية المباركة واضحة البيان في أنَّ رؤية الهلال لن تكون متاحة لكلِّ النَّاس، فلا ينبغي لهم أن يَسْتَبْئِسُوا من ذلك، إذ إنَّ الأمر سهل؛ فمن شاهد الهلال فليصمه، ومفهوم هذا المنطوق أنَّه من لم يشاهده لا يتنجَّز وجوب الصوم عليه. فلا داعي لإثارة الضجَّة بوقوع الخلاف والاختلاف حول رؤية الهلال كلَّ عام؛ لأنَّ الرؤية (موضوع الحكم) من الأمور الحِسِّيَّة التي ليس بالضرورة أن تتحقَّق للجميع، وإنَّما لكلٍّ تكليفه. 

- ثانيًا: (بطلان عبادات السلف) 
لو بُنِيَ على كون المناط في دخول الشهر بظهور الهلال في الأفق هو أن يكون قابلًا للرؤية اعتمادًا على الحسابات الفلكيَّة أو على التلسكوبات والأدوات المقرِّبة، لاقتضى ذلك أنَّ صيامَ النبيِّ (صلَّى اللّٰه عليه وآله وصحبه) والأئمةِ (عليهم السلام) وفِطْرَهم وحَجَّهم وسائرَ أعمالهم التي لها أيَّام خاصَّة من الشهور، لم تكن تقع في كثير من الحالات في أيَّامها الحقيقيَّة، وهذا يعني أنَّها كانت باطلة غالبًا في الواقع؛ لوضوح أنّهم (عليهم السلام) كانوا يعتمدون على الرؤية المتعارفة في تعيين بدايات الأشهر الهلاليَّة، مع أنَّهم ــ وكذلك كثير من أهل النباهة في عصرهم ــ كانوا على علمٍ بأنّه قلَّما يُرى الهلال بالعين المجرَّدة واضحًا ومرتفعًا في ليلة رؤيته الفعليَّة إلَّا ويكون في الليلة السابقة عليها قابلًا للرؤية بأداة مقرِّبة لو كانت متوفِّرة، ورغم ذلك اعتمدوا على الرؤية المجردَّة. فلماذا لم يعهد منهم ولا من غيرهم التعويل على ذلك أصلًا، ولم يبنوا على أنَّ الهلال ابن ليلتين عندما يُرى لأوَّل مرَّة واضحًا ومرتفعًا ومُطَوَّقًا؟!
وكذا لماذا لم يعتمدوا الحسابات الفلكيَّة في معرفة منازل القمر التي عُرِفَتْ قبل الإسلام بقرون من قِبَلِ قُدامى الفراعنة والبابليين والصينيين وغيرهم، بل ثبت أنَّهم (عليهم السلام) كانوا على دراية بهذا العلم ومَنْ يحيط به عِلْمًا؛ فقد ورد عن أبي عبد اللّٰه الصادق (عليه السلام) أنَّه قال حينما سُئِلَ عن علم النجوم: "مَا يَعْلَمُهَا إِلَّا أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ العَرَبِ وَأَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الهِنْدِ"، وفي تفسيره (عليه السلام) قوله تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)} [النحل]، قال: "ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ، الجُدَيُّ، عَلَيْهِ تُبْنَى القِبْلَةَ، وَبِهِ يَهْتَدِي أَهْلُ البَرِّ والبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ نَجْمٌ لَا يَزُولُ". فلماذا لم يعتمدوا (عليهم السلام) على هذا العلم، ولم يُشيروا على المسلمين أن يعتمدوه، فلا يضيِّعوا عليهم معرفة ميقات الصوم، وهو أحد ما بُنِيَ الإسلام عليه؟! وهل غيرهم أحرص على أركانه منهم؟! 

- ثالثًا: (عدم اعتماد العلم في تحديد الغروب) 
إنَّ سرعة الضوء (٣٠٠ ألف كلم في ثانية)، وتبعد الشمس عن الأرض (١٥٠ مليون كلم)، وبذلك يحتاج ضوء الشمس (٥٠٠ ثانية) حتى يصل إلى الأرض؛ أي (٨ دقايق و٣٣ ثانية).
إذا علمنا ذلك، فيلزم منه من الناحية العلميِّة أنَّه حينما نرى سقوط قرص الشمس في الأفق - سواء بالعين المجرَّدة أم المسلَّحة - فإنَّه يكون قد سقط فعليًّا قبل أكثر من ثماني دقايق، فلماذا لم يُفْتِ أحد من الفقهاء - خصوصًا الذين يعتمدون الحسابات الفلكيَّة - بأنَّ تحقَّق وقت صلاة المغرب ليس بسقوط قرص الشمس كما يتراءى للنَّاس، بل قبل (ثماني دقايق و٣٣ ثانية) من ذلك؟! فإنْ كان التعويل على المُداقَّةُ العلميَّة في كلِّ الموارد، فلماذا لم يُعَوَّل عليها هنا أيضًا؟! هل من مجيب؟! 
وجوابه:
هو الجواب عينه المتقدِّم بخصوص رؤية الهلال، وهو أن المسائل الشرعيَّة لا تُحَدَّدُ بالمُداقَّة العلميَّة والفلكيَّة والفيزيائيَّة، بل تُحَدَّدُ بالطرق العرفيَّة المتاحة لعامَّة النَّاس؛ فإنَّ هذه الأحكام نزلت من الأزل لكلِّ النَّاس، لذلك وجب أن يكون تحديدها بيدهم جميعا لا لخاصَّتهم. ومهما يكن من شيء، فإنَّ الشارع المقدِّس حينما يتولَّى تحديد أمر ما، فإنَّ ضابطة هذا الأمر تكون بيده تعالى وحده لا بيد غيره، فإنْ جعل ضابطتها مجرَّد اليقين بتحقُّقها، فالأمر حينئذ لليقين بأيَّة وسيلة تحقَّق، وإنْ جعل ضابطتها - كما في مسألتنا - خصوص الرؤية للنَّاس في أي زمان وُجِدُوا وفي أيِّ مكان حلُّوا، فالأمر حينئذٍ لرؤية النَّاس جميعًا لا لخصوص جماعة منهم. فلنتدبَّر.

#تنبيه
ينبغي للمسلمين في فترة غياب المعصوم (عجَّلَ اللّٰه تعالى فرجه) أن يلتزموا برأي مراجعهم واستنباطاتهم، فإنَّ لهم في اجتهادهم أجرًا عظيمًا؛ سواء أصابوا واقع الحكم أم لا. وبالتالي على المقلِّدين احترام هذا الجهد الذي يبذله فقهاؤنا، وعدم إطلاق الدعاوى غير المستندة إلى اطِّلاع كاف على مدارك الفقه وطرق الاستنباط منها، فإنَّ الفقه بحرٌ متلاطم، وهو كأيِّ علم غير متاح لأن يُدْلِي بِدَلْوِهِ فيه إلا أهل الاختصاص. واللّٰهُ العالمُ بحقائقِ الأمورِ. (وكلُّ عامٍ وأنتم في كمالٍ مِنْ إنسانِيَّتِكُم).
➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين الحسيني  
واتساب: 009613804079



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 هل يقال: أنا فاطر أم مغطر؟

 متلازمة ستوكهولم

 لماذا اختص الله شهر رمضان لنفسه

 طلاق الحامل

 سياسة الخنزير

 نشر الأحاديث مفطر

 رمضان مهبط الكتب السماوية

 كيف دعانا الله إلى الصوم

 سياسة الحمار والكلب

 آراء الفقهاء في رؤية الهلال

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 الحج البذلي

 للوضوء

 ذو الحجة الحرام

 مستحبات غسل الميت

 المبيت وتعدد الزوجات

 زينة النساء والتشبه بهن

 هل يقال: أنا فاطر أم مغطر؟

 أحكام الدية

 الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)

 المناجاة الثانية عشرة: مناجاة العارفين

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net