﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 الحضانة والمحاكم 

القسم : بحوث فقهية   ||   التاريخ : 2025 / 02 / 12   ||   القرّاء : 227

⚖️ (الحضانة والمحاكم) ⚖️

أعطتْ الشريعة الأم والأب حقَّ رؤية أولادهما (في أي وقت) قبل الطلاق كما بعده، وبقطع النظر عن كون الحضانة مع أيٍّ منهما.
فمن الأخطاء الشائعة أو التي يُسَاءُ تطبيقها سواء من الجهات القضائية أم التنفيذية، أنه إذا كانت حضانة الأولاد مع أحد الوالدين، فلا يُسْمَح للآخر رؤيتهم إلا في وقت محدَّد يتمُّ الاتفاق عليه؛ وهذا ما أشاع فَهْمًا مُشَوَّهًا لمفهوم (الحضانة الشرعية)، وبالتالي تطبيقًا مُجْحِفًا بحقّ الوالدين والأولاد لا ينسجم كليًّا مع الشريعة الإلهية ومفهوم العدالة والرحمة القائمة عليهما؛ مما يكشف عن كون مفهوم الحضانة بهذا المعنىٰ صادرًا عن أية جهة غير جهة السماء التي - حسب تعبير رسول اللّٰه - لا يصدر عنها ما يحوك في النفس ويضطرب في الصدر. وتوضيحه:
إن معنىٰ (الحضانة) يرتكز علىٰ عنوانين أساسيين:
🔸 الأول: (المرجعية المكانية)
فلو فرضنا أنَّ الحضانة كانت من حقِّ الأب مثلا، فهذا يعني أنَّه مُكَلَّفٌ بتأمين مَسْكَنٍ في فترة حضانته ليكون محلَّ الأولاد ومستقرَّهم الذي يرجعون إليه. وهذا ما يمنحهم الثبات المكاني الذي يحتاجونه، ولكن دون أن يلزم من ذلك بتاتا حرمان الأم حقَّ رؤية أولادها (وقت ما تشاء).
🔸 الثاني: (المرجعية الرعائية)
ومعناه أن الأب في فترة حضانته هو المسؤول عن إدارة شؤون الأولاد؛ كالتعليم، والرعاية الصحية، وغير ذلك. ولا نعني بذلك الإنفاق، فهو من واجبات الوالد علىٰ كل حال.
وهكذا اتّضح أنه لا ربط بين الحضانة ورؤية الأولاد من الناحية الشرعية، وأنَّ كِلا الوالدين يحقُّ له رؤية أولاده وقت ما يشاء سواء كانت الحضانة من حقِّه أم لا. ومن هنا نجد دعوىٰ (حقّ الرؤية) مستقل عن دعوىٰ (الحضانة).
وهنا يطرح السؤال نفسه:
إذا كانت (الحضانة) غير مرتبطة بـ(حقّ الرؤية)، فَمِنْ أين أتت المحاكم الشرعية بفكرة تقسيم الأيام بين الوالدين؛ بحيث إذا كانت الحضانة للأب مثلا، فيقتصر حق الأم علىٰ رؤيتهم نهاية الأسبوع مثلا؟!
والجواب:
لا يوجد أصل شرعي من آية أو رواية علىٰ هذا التقسيم. وإنما تحاول المحاكم أنْ تضع جدولا زمانيا لتنظيم حقِّ الرؤية حتىٰ لا تقع الخلافات بين الوالدين. فصحيح أنَّ للأم والأب حقَّ رؤية أولادهما وقت ما يشاءان، ولكن ربما يسيء أحدهما أو كلاهما استخدام هذا الحقِّ؛ كأنْ تأتي الأم كلَّ يوم إلىٰ بيت الأب لتأخذ الأولاد، أو يتصل الأب بهم في أيَّة ساعة من ليل أو نهار، وهذا ما يُكْثِرُ البلابل بين الوالدين فتنعكس حتما علىٰ الأولاد، خصوصا في حال زواجهما أو زواج أحدهما، وما يعتري ذلك من اتِّقاد للغيرة ومفاعيلها الاجتماعية الفتّاكة.
مع الإشارة إلىٰ أنّ التواصل المِلْحَاح في ظلِّ هذه الظروف سيوقع الأولاد في اضطراب عاطفي إضافي عما سبّبه الطلاق نفسه.
وهنا نسأل: كيف يمكن الجمع بين حقِّ الوالدين في رؤية أولادهما ساعة ما يشاءان - والذي لا ربط له بمن له حقُّ الحضانة - مع تجنّب حدوث مثل هذه الخلافات؟!
هذا ما ينبغي للمحاكم أن توفِّره بالتعاون مع الوالدين حتىٰ يصلوا جميعا إلىٰ الصيغة الأمثل لتنظيم حقِّ الحضانة والرؤية مَعًا.
ولكن لا تصل المحاكم الشرعية والمدنية دائما إلىٰ الحلِّ الأمثل والعادل بالمفهوم التشريعي أو الأخلاقي؛ وذلك لأسباب تصيب المحاكم بأنواعها سواء من جهة الحُكْم أم التنفيذ.
- أما من جهة الحُكْم، فكالرشاوىٰ التي قد تحرف الأحكام عن صَوَابِيَّتِها، أو كاعتماد اجتهادات فقهية تناقض بالوجدان ما أمر به اللّٰهُ تعالىٰ من عدم الإضرار بأيٍّ من الوالدين؛ حيث قال: {لَا تُضَآرَّ والِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ} [سورة البقرة: ٢٣٣]
- وأما من جهة التنفيذ، فكما لو استغل أحد الوالدين المساحة المعطاة له في حقِّ الحضانة، للإضرار بالآخر أو التضييق عليه وحرمانه من حقِّ الرؤية بأساليب ملتوية من دون مراعاة الآثار السلبية الواقعة علىٰ الآخر والأولاد. وهذا ما يتطلَّب من الجهات التنفيذية أنْ تُحْكِمَ مراقبة تطبيق الأحكام، وتحرصَ علىٰ تنفيذها بأتمِّ وجه. (انتهىٰ)
🔔 تنبيهات:
1⃣ لا أحد من رجال الدين يُمَثِّلُ الدين، وإنما أقصىٰ ما يُمَثِّلُه هو فَهْمُه الخاص للنصوص الدينية التي تحتمل الخطأ دائما طالما أنها صادرة عن غير معصوم. ولكنَّ القاضي الشرعي الحقيقي الذي يحقُّ له أنْ يحكم برأيه الخاص، هو العالم (المجتهد) القادر علىٰ استنباط الأحكام الشرعية من مداركها (القرآن والسُّنَّة)، بَيْدَ أنَّ المحاكم الشرعية في لبنان لا تشترط أنْ يكون القاضي مجتهدًا (صاحب رأي)، لذلك فهو لا يعدو عن كونه قاضيَ تحكيمٍ فحسب.
2⃣ إنَّ قاضي التحكيم لا سبيل له إلىٰ إلزام المتحاكمين إليه إنْ لم يرتضياه حَكَمًا بينهما. وبالتالي، فإنَّ تعيينه من قِبَلِ الدولة لا يُصَيِّرُه حاكمًا مُلْزِمًا.
3⃣ إنَّ المحاكم الشرعية والقضاة الشرعيين في لبنان لم يكونوا على ارتباط بالحكومة اللبنانية في عهد الرئيس السابق لمجلس النواب السيد حسين علي الحسيني، الذي لم يُؤْلِ جُهْدًا في إبقاء المحاكم الشرعية مستقلة عن السلطة السياسية، حتىٰ عمل كلٌّ من رئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري، ورئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري علىٰ إلحاق المحاكم الشرعية بالحكومة اللبنانية؛ حيث أصبح للسلطة السياسية يدٌ طُولىٰ في تعيين القضاة الشرعيين...
➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين الحسيني
واتساب: 009613804079



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 هل يقال: أنا فاطر أم مغطر؟

 متلازمة ستوكهولم

 لماذا اختص الله شهر رمضان لنفسه

 طلاق الحامل

 سياسة الخنزير

 نشر الأحاديث مفطر

 رمضان مهبط الكتب السماوية

 كيف دعانا الله إلى الصوم

 سياسة الحمار والكلب

 آراء الفقهاء في رؤية الهلال

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 رجب الحرام

 نذر الزوجة

 آداب العلاقة الزوجية

 متفرقات الحج

 الصيد اللهوي وقتل الحيوانات

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم السبت

 تخصيص رمضان بالله تعالى

 مخارج الحروف

 نشر الأحاديث مفطر

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net