﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 وقوع الأذى على غير المذنبين وفاعلي الخير 

القسم : متفرقات عقائدية   ||   التاريخ : 2025 / 02 / 12   ||   القرّاء : 207

🔴 #شبهة_عقائدية
كيف يسمح اللّٰه بوقوع الأذىٰ علىٰ غير المذنبين، بل علىٰ فاعلي الخير؟!
والجواب مُفَصَّلًا:
إنَّ (الأذىٰ) لا يخلو إما أن يكون واقعًا علىٰ الإنسان بسببه، أو بسبب غيره.
1⃣ فإنْ كان وقوع (الأذىٰ) بسببه:
فإما أنْ يكون عامدًا؛ كأن يرمي نفسه في النار بمحض إرادته. فهنا لا يُلام أحدٌ غيرُه.
وإما أنْ يكون غير عامدٍ، كأنْ يجرح يده وهو يفتح علبة طعام للقطط. فهنا نسأل: ما كان يجب من اللّٰه أنْ يفعله لهذا الإنسان حتىٰ لا يتعرَّض للأذىٰ؟
▪️أنْ يسلب اللّٰه خاصيَّة القطع من المعادن الحادَّة. وهذا ما يسلتزم بدوره سلب كل خاصيَّة عن كل شيء؛ فالسكين لا تقطع، والنار لا تحرق، والجبل لا نقع عنه... وهكذا يفقد الإنسان كل خواصِّ الأشياء التي أوجدها اللّٰه أساسًا لخدمته.
▪️وإما أنْ يُبْقِيَ علىٰ خواصّ الآلات الحادة والنار... ولكن يجعل الآلات الحادَّة تقطع كل شيء إلا جلد الإنسان وعظمه مثلا، ويجعل النار تُحْرِقُ كل شيء ما عدا الإنسان... (يعني يجعل الإنسان محميًّا من أيِّ ضرر قد يقع عليه). وهذا ما يلزم منه تغيير فيزيولوجية الجسم، وتغيير الطبيعة الإنسانية... وهو في جوهره تحويل الإنسان إلىٰ جسم كالحائط بلا إحساس من جهة، ولا يتحمَّل تَبِعات تصرُّفاته كالمجنون أو الطفل من جهة أخرىٰ. وهكذا تسقط قيمة العقل، ومعه تسقط قيمة الإنسانية، وتُبْتَذَل قيمة الحياة...
2⃣ وأما إنْ كان وقوع (الأذىٰ) علىٰ الإنسان بسبب غيره. فهذا الغير إما أنْ يكون إنسانًا أيضًا أو لا.
🔸فإنْ كان الغيرُ المؤذيُّ إنسانًا؛ كأنْ يخنقه حتىٰ الموت ظُلمًا وعُدْوَانًا. فهنا أيضًا نسأل: ما كان يجب من اللّٰه أنْ يفعله لهذا الإنسان حتىٰ لا يموت اختناقًا؟
▪️ إما أنْ يتحكَّم بتصرُّفات القاتل أو المقتول! فهنا ترتفع الإرادة والاختيار عن الإنسان الذي يتحوَّل لمجرَّد آلة يتحكَّم بها اللّٰه، وهذا خلاف الحكمة من خَلْقِ الإنسان وإكرامه بالعقل واستقلالية الاختيار، ليكون محلًّا للاختبار في هذه الدنيا التي تُشَكِّل فرصته الوحيدة في التكامل الإنساني والترقي إلىٰ أعلىٰ مراتب العلم والإدراك.
▪️ وإما أن لا يجعل الاختناق سببًا في الموت مثلا! وهذا ما يلزم منه تغيير فيزيولوجية الجسم، وتغيير الطبيعة الإنسانية... وقد تقدَّم بطلانه.
🔸 وإنْ لم يكن الغيرُ المؤذيُّ إنسانًا؛ كما في حالات المرض، فهنا:
▪️إمَّا أنْ يكون سبب الأذىٰ ظاهرًا في رجوعه إلىٰ الإنسان بنحو ما؛ كما لو كان مرضه بسبب نظامه الغذائي، أو تناوله الأطعمة والأشربة المؤذية للبدن... فهذا يرجع بجوهره إلىٰ التسبيب بنفسه؛ حيث يقع اللوم على الإنسان وحده أيضًا علىٰ ما تقدَّم بيانه.
▪️وإما أنْ لا يكون سبب الأذىٰ ظاهرًا في رجوعه إلىٰ الإنسان؛ ولعل أوضح الأمثلة وأكثرها إيلامًا هي التشوُّهات والأمراض المزمنة التي تصيب الأطفال من حين ولادتهم. وهذا السؤال هو من أكثر الأسئلة التي تقضُّ مضاجع المؤمنين، فيحاولون طَمْرَه في أعماقهم خشاة أنْ يتزلزل إيمانهم! ويتبختر به الملحدون ويكأنه الإشكال الذي يفتك بمنظومة الإيمان بإله عادل ورحيم، ويوقعها أرضًا!
وجوابه:
▫️إنَّ التطوُّر العلميَّ الحديث أثبت بما لا يشوبه شكٌّ أنَّ كلَّ ما يصيب الإنسان من أمراض سواء عضوية أم نفسية ترجع إلىٰ عوامل مسبقة سبَّبت هذه الأمراض، وهذه العوامل بدورها ترجع للإنسان أيضًا وإن لم يكن مقصودا؛ فالتشوُّه الخَلْقِيُّ عند الأطفال أو الأمراض السرطانية مثلا لا تأتي من فراغٍ قَذْفًا من عند اللّٰه بلا أيَّة مُسَبِّبات، وإنما هناك الكثير من المُسَبِّبات العلمية التي تسبِّبها؛ ابتداءً من الموروثات الجينية التي ينقلها الوالدين إلىٰ ولدهما، إلىٰ ما تتعرَّض له الأم خلال فترة الحمل، إلىٰ أسباب لا تُحصىٰ... ولكن هذه الأسباب مهما بلغت فهي من تسبيب الإنسان وإن كانت في الغالب غير مباشرة أو فلنقل غير مقصودة. فالإنسان هو من يختار زوجته، وساعة المقاربة، ونوع الغذاء الذي منه تُصنع (الأَمْشَاج)؛ أي الخلايا الجنسية (البويضات والحُوَيْمِنات) ... وما كان من اختيار الإنسان، فلا يلام عليه سوىٰ الإنسان.
وبعبارة أخرىٰ: إنَّ البلاءات مَجْلَبَةُ الإنسانِ نفسِه، فليس اللّٰه من يجلبها إليه، غايته أنَّه تعالىٰ سمح لها بالوقوع وِفْقَ قانون (العِلَّةِ والمعلول) الذي يحكم عالم الموجودات، والذي من دونه ينفرط عِقْدُ كل شيء.
▫️أما الذي لا دخالة للإنسان فيه بتًاتا، فهو خَلْقُ اللّٰه الأوَّل لأبينا وأمِّنا آدم وحوَّاء (عليهما السلام)؛ حيث اختار بنفسه مادة الخلق (التراب) من حيث نوعُها، ولونُها، وحالتُها، وامتزاجُها بالماء، ومقدارُ الامتزاج، وتوقيتُ ساعة الخلق وبثُّ الروح فيه... لذلك كان خلق الإنسان الأول علىٰ يد اللّٰه وحده في أحسن تقويم؛ فاللّٰه خيرٌ مطلقٌ لا يصدر عنه إلا الخير؛ كما في الكتاب المقدَّس: "أَعْمَالُ يَدَيْهِ أَمَانَةٌ وَحَقٌّ. كُلُّ وَصَايَاهُ أَمِينَةٌ". [المزامير ١١١: ٧]
وكما في القرآن الكريم: {مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [سورة النساء: ٧٩]
🔔 تنبيه:
ربما تبقىٰ التساؤلات الكثيرة تتخبَّط في قلوب البعض رغم كل ما تقدَّم تفصيله، سواء بالاسترسال في الأمثلة،أم بالعودة إلىٰ الاستفهامات الكبرىٰ؛ كالسؤال عن الحكمة من الخلْق... لذا وددتُ التنبيه علىٰ أنَّ الإحاطة بكلِّ شيء تتوقف علىٰ القدرة عليها، وأنَّىٰ للمحدود أنْ يحيط بذي العلم المطلق والحكمة المطلقة؟! وهل يحيط الجنينُ بِعِلْمِ والديه؟!
وعليه، فإنَّ وقوفنا حيارىٰ أمام عظمة الخلق وأسراره لبرهانٌ علىٰ عجزنا الصارخ، فإمَّا أنْ نعاند ذلك تَعَنُّتًا واسْتِعْظامًا، أو نُسَلِّمَ للحقِّ (سبحانه) فيمنحنا طُمَأْنِينَةً وسلامًا.
(وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)
➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين الحسيني
واتساب: 009613804079



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 هل يقال: أنا فاطر أم مغطر؟

 متلازمة ستوكهولم

 لماذا اختص الله شهر رمضان لنفسه

 طلاق الحامل

 سياسة الخنزير

 نشر الأحاديث مفطر

 رمضان مهبط الكتب السماوية

 كيف دعانا الله إلى الصوم

 سياسة الحمار والكلب

 آراء الفقهاء في رؤية الهلال

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 التوحيد

 زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم السبت

 الزكاة

 للسفر وأحواله

 دية الإجهاض وحكمه

 لماذا اتبع الناس الرسل

 أدنى الحل والمواقيت

 علة استحباب صيام الأيام البيض

 الزواج الدائم والمؤقت من الكتابية والكافرة

 للنوم وحالاته

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net