القسم :
متفرقات أخلاقية ||
التاريخ :
2015 / 12 / 25
||
القرّاء :
20973
 |
لما كان الإنسان بَدَنًا ونَفْسًا، فسعادته بإسعادهما. فأما إسعاد البدن، فبتحصيل الصحة والأمان له، وفيهما اشتهر عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "نعمتان مجهولتان: الصحة، والأمان"؛ وذلك أنه لا يشعر بهما غالبا إلا من افتقدهما. وكذا ورد في المقام نفسه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من أصبح معافًى في جسده، آمِنًا في سِرْبِه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا". وأما إسعاد النفس، فبصلاح صفاتها وقواها؛ ويكون الأول بتحليتها بالفضائل وتخليتها من الرذائل، ويكون الثاني بتغليب قوَّتها العقلية على سائر قواها، حتى تستضيء بنور الحكمة، وتسلك درب الوسطية، ولا تكون مرؤوسة لقوَّتها الغضبية السبعية وقوَّتها الشهوية البهيمية بعدما كانت رئيسة، فتصير بذلك في مصافي الملائكة بل أعلى رتبة؛ كما جاء في صحيحة عبد الله بن سنان قال: "سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) فقلت: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ فقال: قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام): إن الله (عز وجل) رَكَّب في الملائكة عقلا بلا شهوة، ورَكَّب في البهائم شهوة بلا عقل، ورَكَّب في بني آدم كليهما، فمن غَلَبَ عقلُه شهوتَه فهو خير من الملائكة، ومن غَلَبَت شهوتُه عقلَه فهو شرٌّ من البهائم". إذا عرفت ذلك، فاعلم أن إسعاد النفس ذو مراتب؛ فمنهم من يسعدها طمعًا بمثوبة، ومنهم من يسعدها خوفا من عقوبة، وغاية المراتب أن يسعدها لأنها تستحق السعادة والوصول إلى الكمال تعظيما لخالقها؛ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "إنَّ قومًا عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإنَّ قومًا عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنَّ قوما عبدوا الله شكرًا فتلك عبادة الأحرار". وعليه، فإذا أدركت النفس غاية المراتب هذه، أشرقت في عتمة المادة وكدورتها، فأيصرت طريق رجوعها إلى النور الطولي الذي صدرت منه؛ فإن قيل لك: (ولكن الشمس تشرق في الصباح)، فقل بلا تردد: (إن الشمس تشرق في الليل، فينبلج الصباح. والليل هذا علَّة غائية، تغفل فيه المادة لتَصَّعَّد الأرواح، فإن أُعْتِقَت فيه لاقت، وإن حُجِّبَت لم تبلغ المصباح).
|
|