﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 القضاء والقدر 

القسم : القضاء والقدر والجبر والتفويض   ||   التاريخ : 2011 / 03 / 07   ||   القرّاء : 14906

القضاء والقَدَر:

      القَدَر: " هو جعْل لكلّ حادث مِقْدارا وحدودا وكميّة وكيفيّة وزمانيّة ومكانيّة معيّنة ، في تحقّقه بفعل العِلَل والعوامل التدريجيّة . أمّا القضاء الإلهيّ : فهو إيصال الشّيء إلى مرحلته النهائيّة والحتميّة بعد توفّر المقدّمات ، والأسباب ، والشّروط لذلك الحادث " (1).

      وهكذا فإنّ مرحلة التقدير مقدَّمة على مرحلة القضاء ، والفرق بينهما : هو أنّ القضاء وجود جميع الموجودات في اللوح المحفوظ (2)، والقَدَر وجودها متفرّقة في الأعيان بعد حصول شرائطها " (3).

      " عن عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد وإسحاق بن محمّد وغيرهما رفعوه قال : كان أمير المؤمنين عليه السّلام جالسا بالكوفة بعد مُنْصَرَفِه من صفّين إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه (4)، ثمّ قال له : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشّام ، أبِقَضَاء من الله وقدر ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السّلام أجل:يا شيخ ؛ما عَلَوْتُم تَلْعَة (5)، ولا هبطتم بطنَ وادٍ إلا بقضاء من الله وقدر ، فقال له الشيخ : عند الله أحْتَسِبُ عَنَائي (6) يا أمير المؤمنين ؟ فقال له : مه (7) يا شيخ ! فوالله لقد عظّم الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامكم وأنتم مقيمون ، وفي مُنْصَرَفِكُم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مُكْرَهين ، ولا إليه مضطّرين . فقال له الشّيخ : وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين ، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا ؟ فقال له : أوَتظنّ أنّه كان قضاءً حتما وقَدَرًا لازِما ؟! إنّه لو كان كذلك (8) لبَطَلَ (9) الثّوابُ والعقابُ والأمر والنهي والزّجر من الله ، وسقط معنى الوعد والوعيد ، فلم تكن لائِمَةٌ للمذنب ، ولا مَحْمَدَةٌ للمُحْسِن ، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المُحْسِن ، ولكان المُحْسِنُ أولى بالعقوبة من المذنب ، تلك مقالةُ إخوان عبدة الأوثان ، وخُصَمَاء الرّحمن ، وحزب الشيطان ، وقدريّة هذه الأمّة ، ومجوسها . إنّ الله تبارك وتعالى كلّف تخييرا ، ونهى تحذيرا ، وأعطى على القليل كثيرا ، ولم يُعْصَ مغلوبا ، ولم يُطَعْ مُكْرَهًا ، ولم يُمَلِّك مُفَوِّضًا ، ولم يخلق السّماوات والأرض وما بينهما باطلا ، ولم يبعث النبيّين مبشّرين ومنذرين عبثا ، ذلك ظنّ الذين كفروا فويل للذين كفروا من النّار " . فقال الشّيخ : فما القضاء والقدر اللذان ما سِرنا إلا بهما ؟ فقال عليه السّلام : هما الأمر من الله والحكم ، ثمّ تلا قوله سبحانه : ﴿وَقَضَى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاه وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (10).

      بيّن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ ما يصيبنا من خير أو شرّ هو بسببنا ، وليس مفروضا علينا ، إلا أنّ الفعل لا يخرج عن قضاء الله وقـدره ، أي أنّ للإنسان هامشا من الإختيار في أفعاله وسكناته يجعله مستحقّا للثّواب والعقاب . وإلا لولم يملك الإرادة ، وكان مجبرا على أفعاله ، لكان عقابه الظلمَ بعينه ، كما تصبح إثابته عليها قبيحة ، لأنّها من قبِيل الإبتداء بالثّواب (11)، وهو محال .

      وهكذا اتّضح لك أنّ هذا المبحث لايتمّ إلا بالخوض في مسألة الجبر والتفويض ، لذا أفردنا لها المبحث التالي .

_____________________
(1) دروس في العقيدة الإسلاميّة ج1 : 179 / ط . دار الحقّ .
(2) اللوح المحفوظ أو أمّ الكتاب : " هو الكتاب الذي كُتِبَ فيه ما يصيب الإنسانَ طِيلةَ حياته من بلايا وفتن ونعيم وسرور بشكل لا يمكن أن يتطرّق إليها المحوُ والإثبات قدر شعرة ، ولأجل ذلك لو تمكّن الإنسانُ أن يتّصل به ، لوَقَفَ على الحوادث على ما هي عليه بلا خطأ ولا تخلّف " . (أضواء على عقائد الشيعة الإماميّة ) للشيخ جعفر السّبحانيّ صفحة 448 .وعن عليّ (عليه السلام ) قال  : " اللوح المحفوظ : هو درّة بيضاء له دفّتان من ياقوتة حمراء ، وعرضه خمسمائة عام ، وطوله خمسمائة عام ، كلامه البرق ، وخطّه النّور ، وأعلاه معقود بالعرش ، وأسفله في حِجْر ملك وهو إسرافيل ( عليه السلام ) صاحب اللوح ، فإذا أراد الله عزّ وجلّ أن يوحيَ ، أو يُفْضِيَ إليه شيئا ، بعث الله ريحا من تحت العرش ، فحرّكتِ اللوحَ ، فهبط اللوحُ حتى يقرعَ جبهةَ إسرافيل ( عليه السلام ) ، فينادي عند ذلك إسرافيلُ جبريلَ ( عليهما السلام ) ، فيأخذ أهل السّماء الغِشاء فلا يبقى في السّماوات ملك إلا قطع عليه صلاته ، فإذا صعد إليه جبرئيلُ دفع الوحي إليه ، فمرّ بأهل سماء سماء ، وهو راجع يقولون : ماذا قال ربّك ؟ فيقول لهم جبرئيل : الحقّ وهو العليّ الكبير يقضي بالحقّ ، وهو خير الفاصلين ". (عجائب أمير المؤمنين) للسيّد محسن الأمين صفحة 212 .  "ويقابِل اللوح المحفوظ ، لوح المَحْوِ الإثبات : " وهو الذي أشار إليه سبحانه بقوله في سورة الرعد الآية 39 : ﴿ يَمْحُوا الله ُمَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ ﴾ ؛ فالأحكام الثابتة فيه أحكام معلقة على وجود شرطها أو عدم مانعها ، فالتغيّر فيها لأجل إعواز شرطها ، أو تحقّق مانعها ؛ فمثلا يمكن أن يكتب فيه الموت نظرا إلى مقتضياته في الوقت المعيّن المتّصل بالمقتضيات ، إلا أنه ربّما يمحى ويؤجّل ، ويكتب بدله توفّر الصّحّة ، لفقدان شرط التقدير الأوّل ، أو طُرُوِّ مانع من تأثير المقتضي " . (أضواء على عقائد الإماميّة ) صفحة 448-449 .
(3) " التعريفات " للجرجاني صفحة 174-175 / ط . دار الكتب العلميّة .
(4) جثا يجثو جُثُوًّا وجَثِيًّا: جلس على ركبتيه وقام على أطراف أصابعه .
(5) والتَلْعَة : ما ارتفع من الأرض .
(6) أي منه أطلب أجْر مشقّتي .

(7) اسم فعل أمر بمعنى اُكفُفْ .
(8) " أي قضاء محتوما لا دخل لاختيار العبد فيه ، وقدرا لا مدخل لإرادته فيه ". حاشية الكافي ج 1 : 207 / ط . دار التعارف .
(9) " لأنّ الثواب نفْعٌ يستحقّه العبد بالإتيان بالطّاعات ، والاجتناب عن المنهيّات . والعقاب ضرر يستحقّه بالإتيان بالمنهيّات والاجتناب عن الطاعات ، وهما تابعان للاختيار ، ولا يتحقّقان مع الإجبار" . حاشية المصدر السّابق .
(10) سورة الإسراء الآية : 23 . ومصدر الرّواية  " الكافي " ج 1 : 205-206-207 / ط . دار التعارف .
(11) فالعقلاء يذمّون الإبتداء بالثّواب من دون سابق تكليف .



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

فتاوى (معاملات)

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 التقاء الحروف

 عدة من لا تحيض وهي في سن من تحيض

 الجواد شديد العقاب

 الجن والأرواح

 البرّ المانع

 للمرأة وتسريح شعر الرأس واللحية

 الأمانة

 هل الله يُرى؟

 بقية الأخبار في الإمامة

 ذات عادة وقتية عددية لم تر الدم في وقتها

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net