﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 التعب في العبادة 

القسم : محاضرات رمضانية   ||   التاريخ : 2011 / 01 / 29   ||   القرّاء : 15282

          بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وخاتم النبيين أبي القاسم ياسين، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى أن يشاء رب العالمين، وبعد..

إن المراقب لأعمال المسلمين في شهر رمضان، يجدهم أكثر حماسة للعبادة فيه من غيره، وهذا تصرف طبيعي بعدما علموا أنهم في ضيافة رب كريم، وشهر مبارك يضاعَف فيها الثواب، وتقبَل فيه الأعمال، وتغفر فيه الذنوب، ويستجاب فيه الدعاء. وهكذا يبدأ الصائمون بحماس غير مشهود في الشهور السابقة، ولكن سرعان، ما تنطفئ شعلة الحماس، وينفذ وقوده، رغم كل ما ورد في الأحاديث من التشجيع على العبادة، وما يرد في خطب الواعظين من حث على قراءة القرآن والدعاء ومجالسة أهل العلم، وقيام الليل... فإذا سألنا واحدا من هؤلاء المؤمنين الذين تخور قواهم بسرعة، لأجاب: إن تعب الصوم من جهة، والملل من جهة أخرى لا يدعانِه يستمر بنفس الحماس طيلة شهر رمضان.

ولما كان هذا حال الكثيرين في الواقع، خطر ببالي فكرة، قد تكون شحنة دافعة لكل من إخوتنا وأخواتنا. تصور معي أنك استضفت في شهر رمضان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون جليسك طيلة أيام شهر رمضان، فيشاهد أفعالك، وتشاهد أفعاله، أسالك: كم صنف من الطعام ستقدم للنبي، وأنت تعرف أنه رسول من لا يحب المسرفين ؟ ثانيا: حينما تنتهون من الإفطار، هل ستتركه يذهب للصلاة جماعة وحده، أم هل سترافقه؟ ثالثا: كيف سيكون حالك مع مشاهدتك له يكثر من القرآن والدعاء والذكر؟ يقينا ستستحي منه، وستبذل قصارى جهدك محاولا أن تجاريه في عبادته وتضرعه لربه. وبعد ذلك كله، وحينما تعودان إلى البيت، الذي هو بيتك، أي مسلسل ستشاهد مع النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

أرى أننا لو تصورنا أن النبي ضيفنا لكفانا ذلك في شحذ هممنا، لتشتد عزائمنا كل يوم أكثر من الآخر، لا أن تضعف كل يوم أكثر، فنقرأ في اليوم الأول، جزءا، وفي اليوم الثاني نصفا، وفي اليوم الثالث ربعا، حتى نكتفي بالبسملة في اليوم الأخير! ولا نبالغ بكلامنا هذا، فإن الذي يكون في ضيافة حبيب لثلاثين يوما، يزداد تعلقا به كل يوم، لأنه يعلم أن كل يوم يمضي يقربه من الفراق، فيعيش هاجس الابتعاد عن محبوبه، فيصوم نهاره لانشغاله بطاعة حبيبه، ويقوم ليله ساهرا بين يدي معشوقه، فإن الذي ينام عن محبوبه مغفل، كما ورد في المناجاة المنظومة لأمير المؤمنين (عليه السلام): "إلهي حليف الحب في الليل ساهرٌ، يناجي ويدعو والمغفل يهجع"، وكما جاء في كلام رب العزة لموسى بن عمران (عليهما السلام): "يا بن عمران كذب من يدعي أنه يحبني فإذا جنه الليل نام عني! ألا يحب الخليل خلوة حبيبه؟! يا بن عمران هبنا من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع، ثم ادعني، فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان".

هذا إذا تصورنا أن النبي ضيفنا، فكيف بنا إذا علمنا علم اليقين أن الله ينظر إلينا، ويشاهدنا ما نحن فاعلون بمائدة شهره، هل تناولنا منها شيئا يرضيه، أم تركناها وجافيناه؟

فيا أيها الأحبة اجتهدوا في طاعة الله هذا الشهر، ولا يحبطنكم الجوع والعطش عن ذكر الله، فإنها فرصتنا السنوية، لا تدعوها تمر بلا استفادة لائقة بها، فإن الله يمد إلينا يديه في الليالي مناديا: "ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه، ألا عبد مؤمن يتوب إلي من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه، ألا عبد مؤمن قد قتر عليه رزقه يسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده و أوسع عليه، ألا عبد مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه، ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني أن أطلقه من حبسه و أفرج غمه قبل طلوع الفجر فأطلقه من حبسه و أخلي سربه، ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له و آخذ بظلامته... قال الإمام الباقر (عليه السلام): فما يزال ينادي بها حتى يطلع الفجر".

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعبادة والإخلاص فيها، وأن يأخذ بأيدينا إلى شاطئ رحمته، ويحشرنا مع أحبائه محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنه سميع مجيب.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 عِلم الله تعالى

 أحكام العدة الرجعية

 للصلاة وأفعالها

 زيارة الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام)

 المناجاة الحادية عشرة: مناجاة المفتقرين

 الصادق الطاهر

 خمس الدَّين

 أحكام الراءات

 المضاربة

 الأذان والإقامة

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net