﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 بين المسيح والحسين (عليهما السلام) 

القسم : محاضرات عاشورائية   ||   التاريخ : 2011 / 01 / 28   ||   القرّاء : 19917

نتكلم اليوم عن وجوه الشبه بين المسيح والحسين (عليهما السلام).

          أولا: (من جهة الأم)

          نرى أن السيدة مريم والسيدة الزهراء (عليهما السلام) عرفتا بلقب (سيدة النساء)؛ قال تعالى: >وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ< آل عمران 42. ولكن يبين لنا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن السيدة مريم هي سيدة نساء عالمها، بينما السيدة الزهراء سيدة نساء العوالم. كما ينقل ابن عبد البر في الاستيعاب، قال: قال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا بنية، ألا ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟ قالت: يا أبت فأين مريم؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها".

          وتشترك هاتان الأمان بلقب (الصديقة)؛ قال تعالى: >مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ< المائدة 75. وقال الإمام أبو الحسن الكاظم (عليه السلام): "فاطمة (عليها السلام) صديقة شهيدة". كما تشتركان بلقب (البتول).

          ثانيا: (في الحمل)

          فإن مريم (عليها السلام) حملت بعيسى (عليه السلام) كرها؛ أي كان حملها محاطا بالحزن والخوف مما ستواجهه من اليهود؛ قال تعالى: >فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا< مريم 23-24. وكذلك الزهراء (عليها السلام) كم حزنت لجنينها حينما أخبرها (صلى الله عليه وآله وسلم) بما سيجري عليه في نينوى، وهو ما يزال جنينا في بطنها؛ حيث جاء في تفسير قوله تعالى: >وَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا< الأحقاف، 15. قال أبو عبد الله (عليه السلام): "فهل رأيتم أحدا يبشَّر بولدٍ ذكرٍ، فتحمله كُرها؛ أي إنها اغتمّت وكرهت لما أخبرها بقتله، ووضعته كرها لما علمت من ذلك؟!".

          ثالثا: (الفداء)

          المعروف بين النصارى إيمانُهم بان المسيح (عليه السلام) قد فدى بنفسه أهل الرض ليتحرروا من ذنوبهم. والحسين (عليه السلام) كان الفدائي الذي صان الدين من الاعوجاج والانحراف، وأضاء لقافلة الوجود طريقهم للحرية. قال (عليه السلام): "إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي، فيا سيوف خذيني".

          رابعا: (مباركة الأرض)

          فهذه فلسطين مولد المسيح، ومسرى النبي، يباركها الملك سبحانه: >سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ< الإسراء 1. وهذه كربلاء تقدست ترابها بحلول سيد الشهداء فيها؛ فعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)، وجعفر بن محمد (عليهما السلام) يقولان: إن الله عوض الحسين (عليه السلام) من قلته، أن الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تعد أيام زائره جائيا وراجعا من عمره".

          خامسا: (أصحابهما)

          >يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ< الصف 14. هكذا كان حواريي المسيح ومخلصيه. ولكن هل وصلوا على حق اليقين؟ قال تعالى: >إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ< المائدة 112-115.

          وبماذا خاطب الحسين (عليه السلام) أصحابه؟ قال (عليه السلام): "ما رأيت أصحابا أفضل من أصحابي". وهل طلبوا منه مائدة أو معجزة تنزل عليهم من السماء لتطمئن قلوبهم؟ لا! إنما طلبوا نصرته والزود عن آل بيته. وهل حثهم وأغراهم بالسير معه؟ لا! إنما قال: "هذا الليل فاتخذوه جملا". فما كان جوابهم إلا أن قالوا: "لو قطعنا وأحرقنا ثم ذرينا في الهواء يفعل بنا ذلك سبعين مرة لا نتخلى عنك".

مفارقة:

ذكرنا خمسة وجوه شبه بين المسيح والحسين (عليهما السلام)، لنصل إلى مفارقة تعكس مدى تأثير الدم الحسيني في ساحة الوجود.          

فلنتأمل كيفية إحياء النصاري ذكرى مولد المسيح (عليه السلام)، تنتشر أشجار الصنوبر في البيوت والشوارع، ويأتي (بابانويل) ليزور الأطفال ليلة العيد تاركا تحت وسائدهم هدية السماء. وبالتوازي مع هذا المشهد تمتلئ الحانات بالسكارى، وتتحرك أصحاب الرايات، لينشرن الزنا والرذيلة في الساحات، حتى يصير هذا اليوم يوم المعصية الأكبر الذي يستهلون به سنتهم الجديدة.

بينما تعال معي إلى مشهد إحياء ليالي عاشوراء، كيف تتشح شوارع المسلمين وملابسهم بالسواد، وكيف تمتلئ قلوبهم بالحزن المحيي، وكيف تعج الحسينيات والمساجد بعشاق الحسين، ليتعظوا من الثورة الحسينية، ويذرفوا دموع التعقيم والتطهير لقلوب دنستها المعاصي، يستمعون بكل كيانهم إلى مصيبة عاشت معهم منذ طفولتهم، وترددت على آذانهم كل عام، إلا أنهم لم يملوها، لأنها لله، وما كان لله ينمو؛ ولأنها القرآن الناطق، فكما القرآن الصامت لا يبلى، كذا عِدل القرآن نبع الحياة الذي لا يجف.

إنه الحسين بن علي الذي يضخ الحياة في شريان الوجود، فنجدد به العهد والولاء للرب المعبود. إنه الحسين الذي علّم غاندي الهندوسي كيف ينتصر. فحري بنا أن نحسن قراءة هذه الثورة، فلا تنصرم عنا ليالي عاشوراء إلا بولادة جديدة، تزيل عن قلوبنا رين -أي صدأ- هذه الدينا، فإن هذه الليالي المباركة أشبه بليالي القدر التي تنير أعماقنا، وتطرد الظلمة منا، فإن قال النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): "فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم"، فاسمحوا لي أن أقول: "إن الشقي من لم تبدل فيه عاشوراء شيئا". جعلنا الله وإياكم من المحيين السائرين على خط السيد الإمام الشهيد، إنه سميع مجيب.

السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 أحبُّ العراق

 زرع البويضة والحويمن

 الحكيم الودود

 أحكام النفاس

 عِدَد الطلاق والوفاة والزواج المؤقت

 دعاء كميل

 همز الوصل

 للأحلام وأحواله

 البداء

 نية الصوم

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net