حتى النبي ليس له الحكم على الناس
قال تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}[آل عمران: 128]
- (سبب نزول الآية):
عن أنس بن مالك (رضوان الله تعالى عليه) خادم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: في يوم (معركة أُحُد) شج المشركون جبهة رسول الله وكسروا رَبَاعِيَّتَهُ حتى سال الدم على وجهه وكريمته، فقال النبي مُستنكرا: "كيف يُفلح قوم يفعلون هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟!" فأنزل الله تعالى على نبيه هذه الآية المباركة: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.
- ومعناه:
يا رسول الله! إنما عليك البلاغ المبين وإرشاد الضالين والدفاع عن دين رب العالمين بكل ما أُوتيتَ من قوة ويقين. أما مسألة فلاح أعدائك ونجاتهم من عدمه، فليس من اختصاصك ولا من أمرك لِتَبُتَّ فيه، وإنما هو أمر الله وحده؛ فصحيح أنهم ظالمون لأنفسهم ولك بقتالهم إياك والمؤمنين، ولكن لله أن يتوب عليهم لعلة وحكمة لا يعلمها غيره. فأنَّى لك أن تحيط بعلم الله بخلقه وأنت إنسان محدود العلم لا تملك قابلية الإحاطة بعلمه بعباده، فلا تتجاوز على الله فيما لا تعلم ولا تحيط.
- العبرة:
إنَّ الحكم على عباد الله بيد الله وحده، وليس من صلاحيات ملائكته الذين سبق وأخطؤوا في حكمهم حينما أخبرهم {إني جاعلٌ في الأرض خليفة} فقالوا: {أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدماء} فنبَّههم حينها قائلا: {إني أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}. وكذا ليس من أمر أنبيائه ورسله حتى يخوضوا ويبتُّوا فيه.
فإذا كان ذلك ليس من أمر الملائكة الذين {لا يَعْصُونَ اللّٰهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، ولا من أمر سيد المرسلين والإنسان الكامل والشاهد على عباد الله، فأنَّى لنا نحن الجهلاء الناقصون أن نحكم على الناس فيمن سينجو منهم بتوبة يمنحها إياهم العالم المحيط الحكيم الخبير تفضُّلًا منه وحكمةً ورحمةً ومن لا نجاة له؟!
فلنتقِ الله في خلقه، ولا نخوض في الحكم على الناس حتى لو كان ظلمهم ساطعا بالنسبة لنا سطوع الشمس، ولنَدَعْ الخلق للخالق، ولنشفق على عباده، ولنلتزم بأمْرِهِم بالمعروف ونَهْيِهِم عن المنكر وبقدر ما نفقه ونعي، فلا نُقحم أنفسنا فيما لا نحيط به علمًا...
ولتكن هذه الآية عبرة لمن تُسَوِّل له نفسه أنَّ مقاليد الجنة والنار بيده، أو أنَّ له سلطة على الناس، فإنَّ ميزان الحكم بيد الله وحده لا شريك له، سواء كان من نحكم عليه منتسبا إلى شريعة أخرى أم كان مشركا؛ وفيه قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }[سورة الحج: ١٧]
➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين الحسيني
واتساب: 009613804079
|