﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 التوحيد 

القسم : التوحيد والعدل   ||   التاريخ : 2011 / 03 / 05   ||   القرّاء : 12645

إثبات التوحيد:

     بعد إثباتنا لوجود واجب الوجود تعالى، وبعض ما يتَّصف به من صفات ثبوتيّة وسلبيّة ، نشرع في إثبات أوّل أصل من أصول الدين والمذهب ، وهو التوحيد، فنقول:

     ← لو كان في الوجود واجبَا وجود لزم إمكانهما؛ أي فقرهما، وبيان ذلك:
     مع هذا الفرض (1)، يكونان مشترِكَين في وجوب الوجود، فلا يخلو حينئذ إمّا أن يتميّزا  بجهة من الجهات أو لا .
     » فإن لم يتميّزا لم تحصل الاثنينيّة ؛ لأنّ كلّ شيئين مشترِكَين من كلّ الجهات هما بالحقيقة شيء واحد ، والاتّحاد ينفي الاثنينيّة .
     » وإن تميّزا لزم تركيب كلّ منهما ممّا به المشاركة -وهوالوجوب- ، وممّا به الممايزة -أيّا تكن جهة الممايزة- ، وكلّ مركّب كما تقدّم ممكن ، فيكونان ممكنين ، وهو خلاف الفرض بأنّهما واجبان ، ولكنّا أثبتنا وجودَ واجبٍ واحدٍ فنلتزم به نافِين الشريك عنه .

     ◄ وقد جاء في كتاب الله العزيز : >لو كانَ فيهما آلهةٌ إلا الله ُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ< (2)؛ وقد فسَّر الشيخ محمد جواد مغنية (رَحِمَه الله) هذه الآية بقوله : " أي لو كان في السّماء والأرض آلهةٌ سوى الله لما استقامتا ، ولفسد من فيهما (3) وما فيهما (4)، ولم ينتظم أمرٌ من الأمور . ذلك أنّه لو وُجِدَ إلهان لكان كلٌّ منهما قادرا (5)، ومن شأن القادر أن يكون مُرِيدا ضِدّ ما يريده الآخر ، وعليه فإذا أرادَ أحدُهما خَلْقَ شيء ، وأراد الآخر خِلافُه ، فإمّا أن يحصل مرادُهما معا ، فيلزم اجتماعُ الوجود والعدم ، وهو محال ، وإمّا أن يحصل مرادُ أحدهما دون الآخر ، فيكون هذا الآخرُ عاجِزا ومغلوبا على أمره ... وبديهة أنّ العاجز لا يكون إلها " (6).

     ◄ وفي سورة المؤمنون قوله (عزَّ من قائل) : >ما اتَّخَذَ الله ُ من ولَدٍَ وما كان مَعَهُ من إلهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلهٍ بِماخَلَقَ ولَعَلا بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ الله ِ عَمَّا يَصِفُونَ< (7)؛ يبيِّن الله تعالى في هذه الآية المباركة حقيقة بديهية لا جِدال فيها مَفَادُها : لو كان في الكون إلهان لاختصَّ كلُّ إله بمُِلكه الخاصّ ، ولأقام له قوانينه الخاصّة ، والواقع أنّ هذا الكونَ واضح في كون خصائصه وقوانينه واحدة لِمن سَبَرَ علومَه وبَقَرَ مكنونَه ؛ فإنّك ترى مثلا الأشياء كلَّها لها زوجان اثنان ؛ ذكر وأنثى ، سلبيّ وإيجابي ، من البشر إلى الجنّ إلى النبات والحيوان حتى المعادن والذرّات ، وهذا من أسرار وِحدة نظام الوجود التي توصَّل إليها العلم الحديث وأكَّدها القرآن الكريم (8) .

      أيضا صفة الألوهيّة تستدعي الهيمنة والسيطرة (9)، فكيف يحصل هذا مع تعدّد الآلهة ، فإنّ ذلك يستلزم علوَّ بعضِهم على بعض كما بيَّنت الآية . ومن الأمثلة الشائعة : " حِصانان لا يُربطان على مَعْلَفٍ (10) واحد " .

      ولقائل أن يقول : لماذا تفترضون أنّ الإلهين متسلِّطان على عالَم واحد حيث يحصل العِراك بينهما وبالتالي علوّ بعضهم على بعض مِمَّا يوجب فساد العالم ؟ فلِمَ لا نفترض أن  يكون لكلٍّ منهما عالمُه الخاصّ ؛ فلا يتدخَّل هذا بذاك ، فيَعُمُّ السَّلام بينهما ؟
الجواب : إنَّ هذا الإفتراض يُحَتِّمُ مَحْدُودِيَّة كِلا الإلهين ؛ فوجود أحدهما في عالم دون الثاني يعني محدوديّته في عالمه الخاصّ وبالتالي تَحَيُّزه فيه ، والمتحيِّز جسم ، والجسم مركّب ، والمركّب فقير لاحتياجه أجزاءَه ، والواجب تعالى لا يكون محتاجا .

      وقد يَتَبَحَّر أحدُهم بمخَيِّلته وأوهامه فيقول : دعنا نفرض أنّ لكلِّ إلهٍ عالمه الخاصّ الذي يحكمه ، ولكنّ وجودهما متداخلٌ تَدَاخُلَ الماء بالماء ، ألا نخرج حينها من إشكال المحدوديّة وبالتالي الجسمانيّة إذ يكون كلاهما في كلِّ مكان على نحو الوجود اللامحدود ؟
الجواب : إنّنا ولو كنَّا متساهلين في تَلَقِّي هكذا تخيُّلات إذ إنّها واضحة في تجسيم الواجب تعالى حيث إنّ التداخل بالأشياء وغيرها من سِمَات الجسمانيّات ، ولكنّنا نردّ على تصوّر التداخل بما جاء في بداية هذا الفصل ، فنقول : إنَّ هذا التداخل إن كان اتِّحادا فقد انتفت الإثنينيّة ، وإلا فهي الجسمانيّة .       

     ◄ ورُوِيَ أنّ أمير المؤمنين عليَّ بنَ أبي طالب (عليه السلام) قال لولده الحسن (عليه السلام): " واعلم يا بنيّ أنّه لو كان لربِّك شريكٌ لأتَتْكَ رُسُلُه ، ورأيت آثارَ مُلكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنّه إله واحد كما وصف نفسَه، لا يُضَادُّهُ (11) في ملكه أحد، ولا يزول أبدا (12)" .

_____________________

(1) وهو وجود واجبَي وجود .
(2) سورة الأنبياء الآية : 22 .
(3) من العُقلاء .
(4) من غير العقلاء .
(5) وإلا لو كان أحدُهما غير قادر فلا يصلح للألوهيّة ، لعجزه من جهة ، وعدم الفائدة منه من جهة ثانية .
(6) تفسير الكاشف ج 2 : 345 / ط . دار العلم للملايين .
(7) سورة المؤمنون الآية : 91 .
(8) >ومِن كُلِّ شيءٍ خَلَقْنَا زَوْجَينِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ< سورة الذاريات الآية : 49 .
(9) لأنّ عدمهما يعني العجز ، وهو منافٍ للألوهيّة .
(10) مَِعلف بفتح العين وكسرها موضِع العَلَف وهو طعام الدّوابّ .
(11) يضادّه : يخالفه ويعاكسه .
(12) نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده ج3 : 44 / ط . مؤسسة الأعلمي .



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 نية وكيفية الوضوء

 نفي جسمانية الله تعالى

 تحليل موضوعي لحديث المبشرين بالجنة

 ها قد بشر نصر الله

 زيارة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)

 التقليد

 بيع وهبة الأعضاء

 السيرة الذاتية لسماحة الدكتور السيد حسين علي الحسيني

 العدل 1

 السجود

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net