﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 التحية بين الرجال والنساء 

القسم : بحوث فقهية   ||   التاريخ : 2011 / 06 / 29   ||   القرّاء : 16628

التحية:

        تسالمت الطائفة على وجوب رد سلام المرأة والرجل؛ لإطلاق قوله تعالى :

>وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا< (1). وشمل هذا الإطلاق المصلّي، واستفاضت النصوص في وجوب الرد عليه بنفس الصيغة التي حيِّي بها.

منها: صحيحة محمد بن مسلم قال: "دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وهو في الصلاة، فقلت: السلام عليك، فقال: السلام عليك، قلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلما انصرف قلت له: أيرد السلام وهو في الصلاة؟ فقال: نعم مثل ما قيل له"(2).

وصحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا سلَّم عليك الرجل وأنت تصلي، قال: ترد عليه خفيًّا كما قال"(3).

هذا بالنسبة إلى رد السلام، أما بالنسبة لابتدائه، فلا شك في أصل استحبابه بعد استفاضة الروايات في ذلك، حتى عُدَّ إفشاء السلام من المنجيات.

منها خبر حماد بن عمرو، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام) -في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي، ثلاث كفارات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام"(4).

وخبر ابن القداح، عن أبى عبد الله (عليه السلام) -في حديث- قال: "كان علي (عليه السلام) يقول: لا تَغْضَبوا، ولا تُغْضِبوا، افشوا السلام، وأطيبوا الكلام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام، ثم تلا (عليه السلام) قوله (عزّ وجّل): >السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ<(5)"(6).

فإذا ثبت استحباب ابتداء السلام، فهل يشمل الاستحباب ابتداء الرجل النساءَ به والعكس؟

نقول: إن مقتضى الإطلاق في الروايات الدالة على استحباب الابتداء بالسلام، تشمل سلام الرجل على المرأة، والعكس، وإن كانت شابة بالعنوان الأولي. وإنما يأتي الكلام فيما لو كان في السلام  فتنة، سواء بسماع الصوت المفتن بحال كونه على تردد يستميل العاطفة، أو كان ظرف السلام نفسه يحرِّك المخيِّلة إلى أماكن الحظر... وهذا يحدث فيما لو كان السلام على الطريق مثلا، ومن دون سابق معرفة، أو كان العرف المرتكز في الأذهان يستهجن هذه التحية، لتكون على غير معتاد. وإلى مثل هذا رمت موثقة غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: "لا تسلِّم على المرأة"(7).

أما لو كان المجتمع والعرف خلاف ذلك، أو كان السلام من الجار، أو زميل العمل، أو رفيق الدراسة، أو من صاحب المتجر، أو سائق الأجرة، وما شاكل ممن يمكن جعله تحت ضابطة (السلام غير المستهجن)، فلا بأس به، بل يبقى تحت ظل الاستحباب المنصوص. ويدل عليه: صحيحة ربعي بن عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسلِّم على النساء ويرددن عليه، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يسلِّم على النساء، وكان يكره أن يسلِّم على الشابة منهن، ويقول: أتخوَّف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر ممّا طلبت من الأجر"(8).

هذه الصحيحة دلّت بصراحة على سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والإمام (عليه السلام) في ابتداء النساء بالسلام، بل دلّت على استحباب ذلك بدليل وقوع الأجر حتى حال الخوف من أن يدخل القلب شيء؛ كالإعجاب بالصوت، أو ربما غير ذلك؛ بدليل قوله (عليه السلام): " فيدخل عليّ أكثر ممّا طلبت من الأجر".

إذًا وقوع الأجر رغم تعبير الإمام بالكراهة، يدل على أنها غير الكراهة الاصطلاحية الملازمة لعدم الأجر وعدم الثواب بفعل متعلَّقها، وإنما هي ذاك الخوف من عناوين ثانوية قد تطرأ.

ومهما يكن من شيء، فإننا نستطيع أن ننفي كراهة سلام الرجل على المرأة الشابة، والعكس لوحدة مناطهما، حال عدم الخوف من الافتتان، بل استحباب ذلك ليس له دافع.

وبذوقنا العرفي يمكن الادعاء أن الافتتان إنما يقع في غير حالة المعرفة المسبقة، فضلا عن الوطيدة؛ لأن الافتتان بمجرد نغمة السلام غالبا ما يقع في أول مرة، أما التي عُرِف صوتها، وعُهِدت تردداته لفترات طويلة، كما هو الحال بين الحبيبين، فلن يكون لسلامها ذاك التأثير المخوف. نعم قد يكون للكلام واستطالته ذاك الوقع المؤثر، لا لمجرد السلام، وهذا ما سنتناوله في المبحث الآتي.

 



(1) سورة النساء، الآية 86.

(2) وسائل الشيعة ج2، ص329.

(3) وسائل الشيعة ج7، ص268.

(4) وسائل الشيعة ج12، ص59.

(5) سورة الحشر، الآية 23.

(6) وسائل الشيعة ج12، ص59.

(7)  وسائل الشيعة ج20، ص234.

(8) وسائل الشيعة ج20، ص234.



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 المهيمن

 العدل 2

 عمليات التجميل

 أحكام عاشوراء

 الواجد

 ربيع الأوّل

 للأوجاع والأمراض

 النظر إلى من يريد الزواج منها

 صلاة الوحشة والعزاء

 للأحلام وأحواله

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net